الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
أي ناصري.{هُمُ الغالبون * ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الذين اتخذوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً} الآية.قال الكلبي: كان منادي رسول اللّه إذا نادى إلى الصلاة وقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا وصلوا لا صلوا، ركعوا لا ركعوا، سجدوا لا سجدوا، على طريق الإستهزاء والضحك، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.قال السدي: نزلت في رجل من النصارى كان إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمداً رسول اللّه، قال: أحرق اللّه الكاذب، فدخل خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم وأهله نيام فتطاير منها شرارة في البيت فأحرق البيت وأحرق هو وأهله.وقال الآخرون: إن الكفار لما سمعوا الأذان كذبوا رسول اللّه والمسلمين على ذلك فدخلوا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد لقد ابتدعت شيئاً لم نسمع به فيما مضى من الأمم الخالية فإن كنت تدّعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الأذان الأنبياءَ قبلك ولو كان في هذا الأمر خير لكان بادئ ما تركه الناس بعد الأنبياء والرسل قبلك فمن أين لك صياح كصياح البعير فما أقبح من صوت ولا أسمج من كفر، فأنزل اللّه هذه الآية. {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً} [فصلت: 33].فأما بعد الأذان. قال أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر، أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، زياد بن أيوب وأبو بكر بن أبي النضير الأسدي، حجاج بن محمد قال: قال ابن جريح عن نافع عن ابن عمر أبو الحسين قال: أبو العباس السراج، محمد بن سهيل بن عسكر، أبو سعيد الحداد، خالد بن عبد اللّه الواسطي، عن عبد الرحمن بن يحيى عن الزهري عن سالم عن أبيه، وحديث عن الحسن بن شقيق، إسماعيل بن عبيد الخزاعي، محمد بن سلمة عن محمد ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد اللّه بن زيد الأنصاري عن أبيه قال: «كان المسلمون حيث قدموا المدينة يجتمعون فيجيبون الصلاة وليس ينادي بهن فتكلموا في ذلك فاستشار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المسلمين فيما يجيبهم الصلاة. فقال بعضهم: يقلب راية فوق رأس المسجد عند الصلاة فإذا رأوها أذن بعضهم بعضاً فلم يعجبه ذلك، وقيل: بل نؤجج ناراً، وقال بعضهم: بل قرن مثل قرن اليهود فكرهه من أجل اليهود وقيل: الناقوس فكرهه من أجل النصارى ولكن عليه قاموا وأمر بالناقوس حتى يجيب.قال عبد اللّه بن زيد: فرأيت تلك اللية رجلاً في المنام عليه ثوبان أخضران ويحمل ناقوساً فقلت يا عبد اللّه إتبع الناقوس قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به الناس إلى الصلاة، قال: أفلا أدلّك على ما هو خير منه؟ قلت: بلى، قال: قل: اللّه أكبر، اللّه أكبر إلى آخر الأذان ثم إستأخر غير بعيد، وقال: إذا قامت الصلاة فقل: اللّه أكبر، اللّه أكبر فوصف له الإقامة فرادى، فلما استيقظت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك فقال: إنها رؤيا حق إنشاء اللّه فاتلها على بلال فإنه أندى منك صوتاً، قال: فخرجنا إلى المسجد فجعلت ألقيها على بلال وهو يؤذن فسمع عمر في بيته فخرج يجر رداءه فقال: رأيت مثل الذي رأى ففرح النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ذلك أثبت».وروى أبو الزاهرية عن أبي شجرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «أوّل من أذّن في السماء فسمعه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه».فأما فصل الأذان، فحدثنا أبو الحسن بن محمد بن القاسم الفارسي، عبد اللّه محمد بن إسحاق بن يحيى، أبو جعفر بن عبد اللّه بن الصياح، أبو عمر الدوري، أبو إبراهيم البرجماني عن سعيد بن سعيد عن نهشل أبي عبد اللّه القرشي عن الضّحاك عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكترثون للحساب ولا يفزعهم الصيحة ولا يحزنهم الفزع الأكبر: حامل القرآن يؤديه إلى اللّه بما فيه يقدم على ربّه سيّداً شريفاً، ومؤذن أذن سبع سنين يأخذ على أذانه طمعاً وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ومؤدي حقّ مولاه».أحمد بن محمد بن جعفر، أبو الحسن علي بن محمد القاضي، علي بن عبد العزيز أبي عمرو ابن عثمان حدثهم أبو ثميلة عن أبي حمزة عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من أذّن سبع سنين محتسباً كتب له براءة من النار».أبو الحسن الفارسي، أبو العلاء أحمد بن محمد بن كثير، [.....] بن محمد، محمد ابن سلمة الواسطي، حميد بن سلمة الواسطي، حميد الطوسي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من أذن سنة من نية صادقة لا يطلب عليه أجر دعي يوم القيامة ووقف على باب الجنة وقيل له: إشفع لمن شئت».أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد التمار، أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن دينار محمد ابن الحجاج بن عيسى، إبراهيم بن رستم، حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن ابن سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من أذّن خمس صلوات إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن أمّ أصحابه خمس صلوات إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه».أبو العباس سهل بن محمد بن سعيد المروزي، الحسن بن محمد بن جشم أبو الموجة، عبدان، عبدالوارث، ومرّة الحنفي، يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إنه قال: «إذا كان عند الأذان فتحت أبواب السماء فاستجيب الدعاء وإذا كان عند الإقامة لم يردّ دعواه».أبو القاسم طاهر بن المعري، أبو محمد عبد اللّه بن أحمد المقري بالبصرة، عبد اللّه ابن أحمد الجصاص، يزيد بن عمر وأبو البر الغنوي، نائل بن نجيح، محمد بن الفضل عن سالم عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤذن المحتسب كالشهيد يتشحّط في دمه حتى يفرغ من أذانه ويشهد له كل رطب ويابس فإذا مات لم يدوّد في قبره».أبو محمد بن عبد اللّه بن حامد الصفياني، محمد بن جعفر الطبري قال: حماد بن الحسن، صالح ابن سليمان صاحب القراطيس، عتاب بن عبد الحميد السدوسي عن مطر عن الحسن عن أبي الوقّاص أنه قال: سهام المؤذنين عند اللّه يوم القيامة كسهام المهاجرين.وقال عبد اللّه بن مسعود: لو كنت مؤذناً لما باليت ألاّ أحج ولا أعتمر ولا أجاهد، قال:وقال عمر بن الخطاب: لو كنت مؤذناً لكمل أمري وما باليت أن لا أنتسب لقيام ليل ولا لصيام نهار. سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إغفر للمؤذنين، اللهم إغفر للمؤذنين، اللهم إغفر للمؤذنين».فقلت: يا رسول اللّه لقد تركنا ونحن خيار على الأذان بالسيوف. قال: «كلاّ يا عمر إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم وتلك لحوم حرمها اللّه على النار لحوم المؤذنين».{قُلْ ياأهل الكتاب هَلْ تَنقِمُونَ} الآية.قال ابن عباس:أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود، أبو ياسر بن الخطاب ورافع بن أبي رافع وعازار وزيد بن خالد وأزاريل أبي واشيع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ فقال: «أؤمن باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم إلى قوله مسلمون»، فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته قالوا: واللّه ما نعلم أهل دين أولى حظاً في الدنيا والآخرة ديناً ولا دنيا شرار دينكم فأنزل اللّه هذه الآية ثم قال: قل يا محمد {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} أخبركم {بِشَرٍّ مِّن ذلك} الذين ذكرت يعني قولهم لم نر أهل دين أولى حظاً في الدنيا والآخرة منكم فذكر الجواب بلفظ الإبتداء وإن لم يكن الإبتداء شراً كقوله تعالى للكفّار {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذلكم النار وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ} [الحج: 72] {مَثُوبَةً عِندَ الله} ثواباً وجزاءاً وهو نصب على التفسير كقوله أكثر منك مالاً وأعز نفراً وأصلها مثووبة على وزن مفعوله وقد جاءت مصادر على وزن المفعول نحو المفعول والميسور فأسقط عين الفعل استثقالا على الواو ونقلت حركتها إلى فاء الفعل وهي الثاء فصار مثوبة مثل معونة ومغوثة ومقولة {مَن لَّعَنَهُ الله} ويجوز أن يكون محل من خفضاً على البدل ومن قوله بشر أو على معنى لمن يلعنه اللّه ويجوز أن يكون رفعاً على إضمار هو.ويجوز أن يكون نصباً على إيقاع أُنبئكم عليه {وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير} فالقردة: أصحاب السبت. والخنازير: كفّار أهل مائدة عيسى.وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إن المسخين كلاهما من أصحاب نقبائهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير، {وَعَبَدَ الطاغوت} فيه عشر قراءات، وعبد الطاغوت بفتح الباء والعين والتاء على الفعل وهي قراءة العامة، وجعل منهم من عبد الطاغوت، وتصديقها قراءة إبن مسعود ومن عبد والطاغوت.وقرأ ابن وثاب وحمزة. عَبُدِ الطاغوت بفتح العين وضم الباء وكسر الدال آباد العبد وهما لغتان عَبدْ وعَبُد مثل سبْع وسبُع وقرْد وقرُد.وأنشد حمزة في ذلك: كيف الصقيل القرد، بضم الراء ووجه آخر وهو إنه أراد الجمع أي خدم الطاغوت. فجمع العبد عباد ثم جمع العباد عبداً جمع الجمع مثل ثمار وثمر منهم استقبل الضمّتين المتواليتين فعرض من الأولى فتحه ولذلك في قراءة الأعمش وعبد الطاغوت بضم العين والتاء وكسر الدال.قال الشاعر: وذكر عن أبي جعفر القاري: إنه قرأ وعبد الطاغوت على الفعل المجهول، وقرأ الحسن: وعبد الطاغوت على الواحد.قرأ أبو بردة الأسلمي: وعابد الطاغوت باختلاف على الواحد.وقرأ ابن عباس: وعبيد الطاغوت بالجمع، وقرأ أبو واقد الليثي: وعباد الطاغوت مثل كافر وكفار، وقرأ عون العقيلي وأبان بن ثعلب: وعبد الطاغوت مثل ركع وسجد. وقرأا بن عمير: واعبد الطاغوت مثل كلب وأكلب {أولئك شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السبيل} فلما نزلت هذه الآية تنذّر اليهود وقالوا إخوان القردة والخنازير فسكتوا وأُفحموا، وفيهم يقول الشاعر: {وَإِذَا جَآءُوكُمْ قالوا آمَنَّا} الآية، فهؤلاء المنافقون قاله المفسرّون.وقال ابن زيد: هؤلاء الذين قالوا: {آمِنُواْ بالذي أُنْزِلَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَجْهَ النهار} [آل عمران: 72] الآية.وهذا التأويل أليق بظاهر التنزيل لأن هذه الآيات نزلت في اليهود {وترى كَثِيراً مِّنْهُمْ} يعني من اليهود {يُسَارِعُونَ فِي الإثم والعدوان وَأَكْلِهِمُ السحت} إلى قوله: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الربانيون والأحبار} يعني العلماء وقيل: الربانيون علماء النصارى، والأحبار علماء اليهود.وقرأ أبو واقد الليثي، وابن الجراح العقيلي: الربيون كقوله: {مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: 146].{عَن قَوْلِهِمُ الإثم} وهذه أشد آية على ما أتى النهي عن المنكر حيث أنزلهم منزلة من يرتكبه وجمع بينهم في التوبيخ.الحسن بن أحمد بن محمد، وشعيب بن محمد بن شعيب عن إبراهيم بن عبد اللّه بن محمد بن عدي، الأحمسي، البخاري عن عبد الحميد بن جعفر عن أبي إسحاق عن عبد اللّه بن جرير عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يجاور قوماً فيعمل بالمعاصي بين ظهرانيهم فلا يأخذون على يديه إلاّ وأوشك اللّه أن يعمهم منه بعقاب».أبو عبد اللّه محمد، أحمد بن محمد بن يعقوب، عبد اللّه بن أسامة، أسيل بن زيد الجمال، يحيى بن سلمى بن مهنا عن أبيه عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «مثل الفاسق في القوم مثل قوم ركبوا سفينة فاقتسموها فصار لكل إنسان فيها نصيب، فأخذ رجل منهم فأساً فجعل يضرب في موضعه فقال أصحابه: أي شيء تصنع تريد أن تغرق وتغرقنا؟ فقال: هو مكاني فإن أخذوا على يديه نجوا ونجا وإن تركوه غرقوا وغرق».وقال مالك بن دينار: أوصى اللّه إلى الملائكة أن عذّبوا قرية كذا فصاحت الملائكة إلى ربها: يا رب إن فيهم عبدك العابد. فقال: أسمعوني ضجيجه فإن وجهه لم يتغير غضباً لمحارمي وأوحى اللّه إلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم وستين ألفاً من شرارهم. فقال: يا ربّ فهؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وواكلوهم وشاربوهم.
|